كشف المستور من كشف المستور : بقلم ذ سليمان جغبي- الجزء الاول
يعتبر تراث باهبي من
التراث اللامادي للقبائل الملوانية الأمازيغية أو ما بات يعرف ب إقبليين . و يكتسي
هذا الفن و التراث مكانة هامة في النسيج الفني و الثقافي للجنوب الشرقي رغم أنه لم
ينل حظه من البحث و التحليل ، و ذلك راجع إلى الظروف السوسيو ثقافية التي عاش فيها
أهل هذا الصنف الشعبي ، الا أنه في الآونة الأخيرة ظهرت بوادر الإنفراج تجاه هذا
الموروث بدءا بالمهرجان الثقافي الذي نظمته جمعية
ايت لبزم مابين سنة 2015 2017. اوما عرف بمهرجان باهبي و الذي سلط الضوء على العديد
من الجوانب التي طالتها العتمة في الجانب التاريخي لباهبي فضلا عن الفرق التنشيطية
لهذا الفن والمجموعات الغنائيه التي عملت لسنوات ضمن هذا الموروث. ونورد
منها مثالا لا حصرا ( فرقه الشهدي او باهبي ن مروتشة فرقة بن عثمان و فرقة تيسي…)
كما كان لهذا الفن رواد كثر عاشوا
لسنوات في عزلة تامة بين ثنايا هذا الصنف الشعبي وذلك لإنعدام أو قلة من يتعاطى له لاسباب أو لأخرى وممن تحمل هذا الهم نذكر( يوسف ركاش ، حسن حسا ، بسو لكرون ، ايزي موحا،
حماد أوداود …) كما تجدر الاشارة إلى أنه قد تناول هذا الفن بالدراسة
والتحليل عدد من الطلبة والباحثين ، في اطار إعداد رسائلهم لنيل الاجازة في العديد
من التخصصات، رغم قلة المراجع والكتب المعتمدة في هذه البحوث، اللهم بعض الروايات الشفهية والاحالات الشفوية، أما
من حيث التاليف فقد عرف هذا الفن شحا وقلة متباينين إلى حدود السنوات الاخيرة حيث تحمل
هذا العبء كتاب ونقاد معدودون من بينهم الاستاذ مبارك اشبار ، و الدكتورمحمد
شبير، والباحث الهاشمي موليو، الذي الف كتاب
كشف المستور من تراث باهبي ، و الذي سنخصص
له هذه الورقة للقراءة و التمحيص.
1) نبذة عن المؤلِّف
الهاشمي موليو من
مواليد 1960 درس و تابع دراسته بتغفرت ثم تنجداد و غريس …… و هو من أصول
تغفرتية أي أنه ينتمي إلى قصر تغفرت التي
تتواجد ب لتنجداد إطار في وزارة الصحة
عمل في العديد من المصالح التابعة لوزارة الصحة
منها مركز تحاقن الدم حاصل على العديد من الشواهد التقديرية و المهنية .
2) نبذة عن المؤلف
كشف المستور من تراث
باهبي ، هو مؤلف صدر سنة 2022لكاتبه هاشمي موليو و قد خصصه للحديث عن تراث باهبي
بقصر تغفرت . تناول الكاتب هذا الفن من زوايا متعددة ، همت بالخصوص أصل التسمية و
مجال الفن و خصائصه و بعض رواده، آثر الكاتب في مؤلفه الإستدلال بشكل كبير
بالروايات الشفوية و الأحداث التي عاشها و عرضها في قالب يكون مرة تحليليا و
مرة أخرى روائيا . يتضمن الالكتاب بين
دفتيه 289 صفحة قسمها الهاشمي موليو إلى خمسة أبواب أولها للتعريف بالفن و ثانيها
للرواد و ثالثها للمنماطق التي ينتشر فيها باهبي و رابعها لاصل المتعاطين لباهبي
وختمها باب خصصه للنشاد حسا أحماد
3)
قراءة في الصورة
إن المتصفح للمؤلف الذي
صدر سنة 2022 لكاتبه تقع عينه أول مرة على الغلاف الذي يزين دفة الكتاب في الواجهة
و هي كما أشار الكاتب تعود لباب قصر تغفرت ، و لدلالة الصورة هنا معان يمكن ان
نفهم من خلالها مجموعة من الرسائل التي ستضفي على الكتاب نوعا من المحدودية كما
سيأتي في الورقات المقبلة ، وذلك راجع أساسا لدلالة المكان لدى الكاتب لأن قصر
تغفرت هو مسقط رأسه.
لكن السؤال الذي يتبادر لأذهان القارئ هو ما العلاقة
الذاتية بين الصورة و العنوان ؟
لقد اختار الكاتب
للصورة كما سبق باب قصر تغفرت و الصورة مأخوذة حسب الألوان المكونة لها نهارا حيث
يبدو للناظر ضوء الشمس الذي يتسلل بين جانبي المدخلين .
و للصورة دلالة رمزية توحي بكون تغفرت مصدرا
للنور أو لإنبجاس الضوء الذي قد يأخذ دلالت أبعد و أعمق حسب التحلالاتالسيميائية و
يمكن أن نتناول هذه الصورة من أبعاد و زوايا مختلفة منها مثلا
v
البعد الإقناعي
فالكاتب في هذه الصورة
قد حاول التأثير مسبقا في القارئ و حاول نسبيا بعث نوع من المادة الإقناعية إلى
القارئ و هذا قد يكون راجعا لكون ما قد يقدم الكاتب على كتابته محتاجا للكثير من
الحجج و البراهين أو أن المادة التي سيعرضها لم تخضع للمعايير التي ستجعلها
مستساغة بشكل سهل لذى القارئ أو المتلقي ولذلك وظف تقنية العملية الإقناعية كما أشارت إليها الإعلامية مهنا فريال في كتابها تقنيات
الإقناع الجماهيري ط1-دمشق 1989في الصفحة 143 حيث قالت :” …من خلال هذا
التعريف نستنتج بأن الصورة ببنيتها الدلالية تحدث أثرها في نفسية القارئ و المشاهد
، و ذلكمن خلال فاعليتها الإقناعية ، لانه في تحليل العملية الإقناعية عبر الإتصال
يرتكز الإهتمام غالبا على الرسائل
الإتصالية نفسه ” فمن خلا ما سبق
يمكن القول بأن الصورة قد لعبت دورا هاما في التأثيث النفسي للقارئ.
v
البعد التجاري
يتجلى هذا ابعد في كون الصورة قد تكون ذات أبعاد ذاتية كونها قد تكون
اختيرت بشكل عفوي أو لأسباب عاطفية كون الكاتب فضل واجهة قصر تغفرت على أن يدرج
صورة أخرى كونه يود من خلال كتابه أن يسوق للقصر و يجعل له مكانا ضمن القصور
العروفة وطنيا و لم لا دوليا و هذه
التقنية كذلكلها ابعاد تجارية تنضوي تحت مسمى التسويق الترابي و الذي تكون له صور
مختلفة منها التصوير أو تنظيم المواسم و الحفلات أو التسويق الإعلامي … فالكاتب
هنا قد يكون له أهداف تجارية و تسويقية للقصر من خلال مؤلفه .
v
البعد التاريخي
يتجلى البعد التاريخي
للصورة في كونها تعبر عن بناية تعود للأزمنة الغابرة في الازل حسب الروايات
الشفوية و حسب ما أورده الكاتب نفسه ، فهذه الصورة إذا لها دلالات تاريخية و
تراثية .
من خلال ماسبق يمكن
القول بأن الكاتب قد نجح بنسبة متواضعة في اختيار الصورة المؤثثة للغلاف ، لكن
السؤال الذي يؤسس لنا لما سيأتي لاحقا هو ، هل الصورة عبرت بشكل كاف عن العنوان و
محتوى الكتاب ؟
4)
قراءة في العنوان
يتكون عنوان الكتاب كمس
كلمات تشكل جملة إسمية تبتدئ بمصدر و هو:
§
“كشف “
و كلمة “كشف”
تعني كشف الشيء عما يواريه و يغطيه كشفه يكشفه كشفا .
و في معجم المعاني تعني
كشف الشيئ أي أظهره أو أبان عنه ما يواريه أو عراه و أظهره
و قد وردت كلمة الكشف
بهذا المعنى في سورة ق “فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد” و فيها قال
الطبري المقصود هو أنك ايها الإنسان كنت قد نسيت هذا اليوم و ما ستمر به من أهوال
و شدائد فجلينا ذلك لك ، و أظهرناه لعينيك
، حتى رأيته و عاينته فزالت الغفلة عنك ، و الشاهد هنا هو ” فجلينا ذلك لك ،
و أظهرناه لعينيك ، حتى رأيته و عاينته فزالت الغفلة عنك” و من خلال ذلك
يتبين أن المراد بهذا الشق من العنوان هو التبيان و التوضيح و الإظهار
§
“المستور “
يتضح من خلال التعريف
الذي أوردناه للكمة الأولى من العنوان أن كلمة الكشف تكون مقترنة و مسندة في
الغالب إلى الشيئ المحجوب أو المستور الذي لا يظهر أو يظهر بشكل غير كاف و واضح .
وقد جاءت الكلمة على وزن مفعول أي الشيئ الذي وقع عليه الفعل و هو الستر فمعنى مستور
أي ستره الساتر
و قد وردت كلمة مستور
في معجم المعاني وردت الكلمت بمعان متعددة منها
مستولر أي مخفي : مستور
في بيته : مخفي فيها
كما ورد بمعنى طاهر و
عفيف المستور : الطاهر العفيف
و المعاني كلها تصب في
معى واحد وهو الشيئ الذي لا يعرف حاله أو الشيئ الذي لا يعرف عنه أي شيئ
§
من تراث :
من هي كلمة من حروف
الجر المعروفة في اللغة العربية
تراث
التراث من الإرث و هو
ما يتركه الميت بعد وفاته من مال بمعناه المادي أو المعنوي ، و الترتث قد يأخد
معاني كثيرة في اللغة حسب السياق الذي سيق فيه :
فالقول مثلا :
“ترك زيد إرثا كثيرا ” فمعناه المال و ما يورث من الميت من الأموال و
الأراضي و …
والقول مثلا تركت
الحضارة إرثا هائلا فالمعنى الأقرب هو الحضارة العمرانية و الثقافية و الفنية
وغيرها
و التراث عامة هو ما
تخلفة الأمم الماضية من آداب و عادات و تقاليد و أعراف تتناقلها الأجيال جيلا بعد
جيل ، فطريقة اللباس مثلا أو تقاليد الزواج و الأعراس و طرق الطبخ أو البناء كلها تدخل ضمن التراث
و ينقسم التراث أساسا
الى صنفين هما
التراث المادي وهو ما
يدخل في إطار العمران و اللباس و الأدوات القديمة و التحف وغيرها
أما التراث اللامادي
فتنرج ضمنه التقاليد و الأعراف و الشعر و الأنماط الفرجوية وغيرها
§
باهبي
هي كلمة تحمل دلالات
كثيرة لا زال النبش فيها كثيرا و لا زالت أقلام الباحثين تسيل حولها لكنها تنصب في
مصب و احد وهو أنها تعبير شامل لكل الطبوع و الأنماط الفرجوية و اشعرية و المسرحية
التي يتميز بها إملوان عموما و إقبليين على وجه الخصوص والذين يشكلون قاعدة
اجتماعية كبيرة في الجنوب الشرقي عموما و في تبيان كل ذلك سنعود لشرح هذا الكلام في بحر المقال بحول الله .
5)
خلاصة
من خلال ماسبق يتبين للمطلع على الكتاب بأنه جمع بين شقين
أساسيين من التراث الذي يرتبط ب إيملوان و الذين يطلق عليهم في المناطق المنتشرة
في افركلةايقبليين أو الحراطين ، فالشق الأول هو البوابة التي تزين غلاف الكتاب و
الشق الثاني هو باهبي الذي يعتبر مجالا
شاسعا لكل الأنماطالشعرية و الفرجويةلإقبليين كما سماهم الكاتب و هذا ما
سنوضحه في الفصل الثاني .
خلاصة القول إن الكاتب
في هذا المؤلف قد حمل عبء الأمانة و حاول وفق تصوره ووجهة نظره أن يعرض مادة في
قالب يراه مناسبا حسب قناعاته الذاتية و بذلك يمكن القول بأن العلاقة السببية بين
العنوان والصورة هي علاقة كاتب بأرضه و مسقط رأسه دون إغفال العطفة الإنسانية التي
تنبني عليها الأفكار ، فالكاتب ليس ذاتا مجردة إنما هو خليط من تاريخ و معارف و
أفكار و تربية ضمن نسيج اجتماعي له خصوصيات و منطلقات فكرية عامة خاصة و عليه
فاصورة الى حد ما عبرت عن موقع جغرافي و إرث مادي أكثر مما عبرت عن تراث باهبي
وهذا قد يخلق هوة كبيرة في أوساط القراء الذين تختلف مشاربهم طرق قراءتهم و مراحل
قراءتهم للكتب .