« اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ: « دروس اﻟﺪورة اﻷوﻟﻰ : اﻹﻧﺴﺎن « ﻣﻔﻬﻮم اﻟﻠﻐﺔ ﺷﻌﺒﺔ اﻵداب واﻟﻌﻠﻮم اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ
إﻃﺎر اﻟﺪرس
ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﻠﻐﺔ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ أﻫﻢ اﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ اﻟﺘﻲ إﻧﺸﻐﻠﺖ ﺑﻬﺎ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة واﻟﻠﺴﺎﻧﻴﺎت وﻛﺬﻟﻚ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻠﻮم اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻣﺜﻞ ﻋﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ
اﻟﻠﻐﻮي وﻋﻠﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎع، وﻫﻜﺬا ﻓﺈن ﻣﻘﺎرﺑﺘﻨﺎ ﻟﻬﺬا اﻟﻤﻔﻬﻮم ﺳﺘﺨﻀﻊ ﻟﻤﻘﺎرﺑﺔ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ وأﺧﺮى ﻋﻠﻤﻴﺔ
ﻣﻦ اﻟﺪﻻﻻت إﻟﻰ اﻹﺷﻜﺎﻟﻴﺔ
اﻟﺪﻻﻟﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ
ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺪﻻﻟﺔ ﺗﺮﺗﺒﻂ اﻟﻠﻐﺔ ﺑﺎﻟﻜﻼم إذ ﻳﻘﻮل ﻋﺎﻣﺔ اﻟﻨﺎس ﻓﻼن ﻳﺘﻜﻠﻢ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ أو اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ… إذا ﺗﻤﻌﻨﺎ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﻟﻦ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ
اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑﻴﻦ اﻟﻠﻐﺔ واﻟﻜﻼم. ﻓﻬﻞ اﻟﻠﻐﺔ ﻫﻲ اﻟﻜﻼم، أم ﺗﺘﺠﺎوزه إﻟﻰ أﺷﻴﺎء أﺧﺮى ؟ ﻫﺬا ﻣﺎ ﺳﻨﻌﺮﻓﻪ ﻣﻦ ﺧﻼل دﻻﻟﺘﻴﻦ اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ واﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ
اﻟﺪﻻﻟﺔ اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ
:ﻳﻘﻮل إﺑﻦ ﻣﻨﻀﻮر ﻋﻦ اﻟﻠﻐﺔ “أﺻﻮات ﻳﻌﺒﺮ ﺑﻬﺎ ﻗﻮم ﻋﻦ أﻏﺮاﺿﻪ”، ﻟﻨﺤﻠﻞ ﻫﺬا اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ
ﻳﺤﺼﺮ ﻫﺬا اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ اﻟﻠﻐﺔ ﻓﻲ اﻷﺻﻮات وﻫﺬا ﻳﻌﻴﻦ أن اﻷﺻﻮات ﻛﻼم، اﻟﺸﻲء اﻟﺬي ﻳﺠﻌﻞ إﺑﻦ ﻣﻨﻀﻮر ﻻﻳﺨﺮج ﻋﻦ اﻟﺪﻻﻟﺔ اﻟﻌﺎﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ
ﺗﺮﺑﻂ اﻟﻠﻐﺔ ﺑﺎﻟﻜﻼم. إن إﻋﺘﺒﺎر اﻟﻠﻐﺔ أﺻﻮات ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﻄﺮح ﺗﺴﺎؤﻟﻴﻦ: ﻛﻴﻒ ﻳﺘﻮاﺻﻞ اﻟﺤﺪواﻟﻴﻚ إذا إﺧﺘﺰﻟﻨﺎ اﻟﻠﻐﺔ ﻓﻲ اﻟﻜﻼم واﻟﺼﻮت؟ ﺑﻤﻌﻨﻰ آﺧﺮ ﻫﻞ اﻷﺻﻮات ﻫﻲ اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ اﻟﻮﺣﻴﺪة ﻟﻠﺘﻮاﺻﻞ واﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ؟ )اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ﻟﻬﺎ أﺻﻮات، ﻓﻬﻞ ﻣﻌﻨﻰ ﻫﺬا أن ﻟﻬﺎ ﻟﻐﺔ ؟(، ﻧﻀﻴﻒ إﻟﻰ ﻫﺬه اﻻﺳﺘﻨﺘﺎﺟﺎت ﺧﻼﺻﺔ أﺧﺮى ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﻮﻇﻴﻔﺔ اﻟﻨﺠﻴﺮﻳﺔ ﻟﻠﻐﺔ، اﻟﺸﻲء اﻟﺬي ﻳﺪﻓﻌﻨﺎ إﻟﻰ ﻃﺮح اﻟﺘﺴﺎؤل اﻟﺘﺎﻟﻲ: أﻟﻴﺴﺖ ﻫﻨﺎك وﻇﺎﺋﻒ
إقرأ أيضا: اﻟﻔﺎﻋﻠﻴﺔ واﻹﺑﺪاع – ﻣﻔﻬﻮم اﻟﻔﻦ دروس اﻟﺪورة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔأﺧﺮى ﻟﻠﻐﺔ ﻏﻴﺮ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻛﻤﺜﻞ اﻹﺧﻔﺎء – اﻟﻜﺬب… ؟
ﻳﺠﻌﻞ اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ اﻟﺴﺎﻟﻒ اﻟﺬﻛﺮ اﻟﻠﻐﺔ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻘﻮم ﻣﻌﻴﻦ اﻟﺸﻲء اﻟﺬي ﻳﺪﻓﻊ إﻟﻰ اﻟﺘﺴﺎؤل إن ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك ﻟﻐﺔ ﻛﻮﻧﻴﺔ ؟
اﻟﺪﻻﻟﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ
ﻛﻞ ﻫﺬه اﻷﻣﺜﻠﺔ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﺗﺒﻴﻦ ﺑﻮﺿﻮح اﻟﻤﻐﺎﻟﻄﺎت واﻟﺘﻨﺎﻗﻀﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻊ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺪﻻﻟﺔ اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ، ﻣﻤﺎ ﻳﻔﺮض ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻷﻧﺘﻘﺎل إﻟﻰ اﻟﺪﻻﻟﺔ
اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ . ﻳﻘﻮل ﻻ ﻟﻮﻧﻚ أن ﻟﻠﻐﺔ ﻣﻌﻨﻴﺎن، ﻣﻌﻨﻰ ﺧﺎص وﻣﻌﻨﻰ ﻋﺎم. ﻣﻌﻨﻰ ﺧﺎص : وﻇﻴﻔﺔ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ اﻟﻜﻼﻣﻲ ﻋﻦ اﻟﻔﻜﺮ داﺧﻠﻴﺎ وﺧﺎرﺟﻴﺎ.
ﻣﻌﻨﻰ ﻋﺎم: ذﻟﻚ وﻛﻞ ﻧﺴﻖ ﻣﻦ اﻟﻌﻼﻣﺎت ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺘﺨﺬ وﺳﻴﻠﺔ ﻟﻠﺘﻮاﺻﻞ.”
إﺳﺘﻨﺘﺎج
ﻧﺴﺘﻨﺘﺞ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ أن اﻟﻠﻐﺔ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﺨﺎص ﺗﺘﻘﺎﺑﻞ ﻣﻊ اﻟﻜﻼم واﻟﻠﺴﺎن، ﺑﺎﻋﺘﺒﺎر اﻟﻜﻼم ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ اﻟﻠﻐﺔ وﻟﻴﺲ ﻛﻠﻬﺎ واﻟﻠﺴﺎن ﺧﺎص
ﺑﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﻌﻴﻦ، أﻣﺎ اﻟﻠﻐﺔ ﻓﻬﻲ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺒﺸﺮ.
ﻣﻦ ﺧﻼل ﻫﺬه اﻻﺳﺘﻨﺘﺎﺟﺎت ﻳﻤﻜﻦ إﺳﺘﺨﻼص اﻹﺷﻜﺎﻟﻴﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﻟﺪرس اﻟﻠﻐﺔ، ﻧﺤﻤﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻜﻞ اﻟﺘﺎﻟﻲ: إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻠﻐﺔ ﺣﺴﺐ ﻻ ﻟﻨﺪ ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ اﻟﻔﻜﺮ أﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﻘﻮل اﻟﻌﻜﺲ، أﻧﻬﺎ ﺗﺆدي إﻟﻰ اﻷﺧﻄﺎء واﻟﻜﺬب أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻜﺸﻒ واﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ؟ ﺛﻢ ﻣﺎﻫﻲ ﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ واﻷﺷﻴﺎء )اﻟﻮاﻗﻊ( ؟ واذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻠﻐﺔ ﻋﻼﻣﺎت ﺻﻮﺗﻴﺔ واﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ﻟﻬﺎ أﺻﻮات، ﻓﻬﻞ ﻣﻌﻨﻰ ذﻟﻚ أﻧﻬﺎ ﺗﺸﺘﺮك ﻣﻊ اﻻﻧﺴﺎن ﻓﻲ إﻣﺘﻼك اﻟﻠﻐﺔ ؟ أم أن اﻟﻠﻐﺔ ﺗﺒﻘﻰ ﺧﺎﺻﻴﺔ إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ؟ ﻣﺎ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻌﻼﻣﺔ واﻟﺮﻣﺰ اﻟﻠﺴﺎﻧﻴﺎت وﻣﺎ ﻋﻼﻗﺘﻬﻤﺎ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ واﻟﺪﻻﻟﺔ ؟ ﻫﻞ اﻟﻠﻐﺔ ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ اﻟﻮاﻗﻊ أم ﻋﻦ اﻟﻔﻜﺮ
إقرأ أيضا: اﻟﻔﺎﻋﻠﻴﺔ واﻹﺑﺪاع – ﻣﻔﻬﻮم اﻟﻔﻦ دروس اﻟﺪورة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔوﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺼﻮر ﻓﻜﺮ ﻓﻲ إﺳﺘﻘﻼل ﻋﻦ اﻟﻠﻐﺔ ؟ ﻛﻴﻒ ﺗﺆدي اﻟﻠﻐﺔ وﻇﻴﻔﺔ اﻟﺘﻮاﺻﻞ ؟.
اﻟﻠﻐﺔ اﻻﻧﺴﺎﻧﻴﺔ واﻟﻠﻐﺔ اﻟﺤﻴﻮاﻧﻴﺔ: ﺗﺤﻠﻴﻞ ﻧﺺ “اﻟﻜﻼم ﺧﺎﺻﻴﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎن”
ﻣﻘﺪﻣﺔ
ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻨﺺ وﺟﻬﺔ اﻟﻨﻈﺮ اﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ ﺣﻮل إﺷﻜﺎﻟﻴﺔ اﻟﻠﻐﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ واﻟﺤﻴﻮاﻧﻴﺔ، وﻗﺪ إﻧﻄﻠﻖ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻨﺺ ﻣﻦ اﻟﺘﺴﺎؤل اﻟﺘﺎﻟﻲ: ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ إﻋﺘﺒﺎر اﻟﻠﻐﺔ ﻗﺎﺳﻤﺎ ﻣﺸﺘﺮﻛﺎ ﺑﻴﻦ اﻻﻧﺴﺎن واﻟﺤﻴﻮان ؟ ﺑﻤﻌﻨﻰ آﺧﺮ ﻫﻞ اﻟﺤﻴﻮان ﻗﺎدر ﻋﻦ اﻟﻜﻼم ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺸﺄن ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎن. واذا ﻛﺎن
اﻟﺠﻮاب ﺑﺎﻟﻨﻔﻲ ﻓﻤﺎ اﻟﺬي ﻳﻔﺴﺮ ﻗﺪرة اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻼم. ﻫﻞ ﻳﺮﺟﻊ ذﻟﻚ إﻟﻰ اﻟﻌﻘﻞ أم إﻟﻰ اﻟﻐﺮﻳﺰة.
ﻣﻮﻗﻒ دﻳﻜﺎرت
ﻻﻳﺨﺮج ﺟﻮاب دﻳﻜﺎرت ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﺘﺴﺎؤﻻت ﺧﺎرج إﻃﺎر ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ اﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻞ أﺳﺎس ﺗﺼﻮره إﺷﻜﺎﻟﻴﺔ اﻟﻠﻐﺔ، وﺑﻨﺎء ﻋﻠﻴﻪ ﻳﺆﻛﺪ دﻳﻜﺎرت أن اﻟﻠﻐﺔ ﺧﺎﺻﻴﺔ ﺗﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن وﻻ وﺟﻮد ﻟﻠﻐﺔ ﺑﻬﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻟﺬى اﻟﺤﻴﻮان، وﻳﻔﺴﺮ دﻳﻜﺎرت ذﻟﻚ، أي ﻗﺪرة اﻻﻧﺴﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻼم ﺑﺈﻣﺘﻼﻛﻪ اﻟﻌﻘﻞ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ درﺟﺔ ﻫﺬا اﻟﻌﻘﻞ ﻣﻦ اﻟﺒﺴﺎﻃﺔ، ﺣﺘﻰ وﻟﻮ ﻛﺎن ﻫﺬا اﻹﻧﺴﺎن ﻳﻔﺘﻘﺮ ﻟﺠﻬﺎز اﻟﻨﻄﻖ ﻓﺈﻧﻪ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ واﻟﺘﻮاﺻﻞ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺣﺎل اﻟﺼﻢ واﻟﺒﻜﻢ. أﻣﺎ ﻣﺎ ﺗﺮدده ﺑﻌﺾ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ﻣﺜﻞ اﻟﻌﻘﻌﻖ واﻟﺒﺒﻐﺎء ﻣﻦ ﻛﻼم ﻓﻴﻌﺘﺒﺮه دﻳﻜﺎرت ﻣﺠﺮد
إﻧﻔﻌﺎﻻت ﻏﺮﻳﺰﻳﺔ وإﺳﺘﺠﺎﺑﺎت آﻟﻴﺔ ﻻ ﺗﻌﻜﺲ وﻋﻴﻪ ﺑﻤﺎ ﻳﻘﻮل، وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﺈن اﻟﻠﻐﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎن دوﻧﻪ واﻟﺤﻴﻮان.
إقرأ أيضا: اﻟﻔﺎﻋﻠﻴﺔ واﻹﺑﺪاع – ﻣﻔﻬﻮم اﻟﻔﻦ دروس اﻟﺪورة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ
وﻗﺪ اﻋﺘﻤﺪ دﻳﻜﺎرت ﻓﻲ دﻓﺎﻋﻪ ﻋﻦ ﻣﻮﻗﻔﻪ )أﻃﺮوﺣﺘﻪ( ﻫﺎﺗﻪ إﻋﺘﻤﺎدا ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻬﺠﻴﺔ إﺳﺘﺪﻻﻟﻴﺔ أو ﺣﺠﺎﺟﻴﺔ ﺗﻨﺒﻨﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻘﺎرﻧﺔ ﺑﻴﻦ اﻹﻧﺴﺎن واﻟﺤﻴﻮان ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺈﺷﻜﺎﻟﻴﺔ اﻟﻠﻐﺔ، وﻗﺪ ﻗﺪم ﻓﻲ ﻫﺬا اﻹﻃﺎر ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻷﻣﺜﻠﺔ اﻟﻤﺪﻋﻤﺔ واﻟﻤﻮﺿﺤﺔ ﻷﻃﺮوﺣﺘﻪ )ﻛﺎﻟﺼﻢ واﻟﺒﻜﻢ واﻟﻌﻘﻌﻖ واﻟﺒﺒﻐﺎء(، ﻛﻤﺎ وﻇﻒ اﻟﺮواﺑﻂ اﻟﻤﻨﻄﻘﻴﺔ )ﻫﻤﺎ – ﺣﻨﻴﻦ وﺑﺎﻟﻌﻜﺲ وﻟﻜﻨﻬﺎ – أي ﻓﻲ ﺣﻴﻦ( واﻟﻬﺪف ﻣﻦ ﻛﻞ ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﻮﺻﻮل
إﻟﻰ اﻟﺨﻼﺻﺔ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ وﻫﻲ أن اﻟﻜﻼم ﺧﺎﺻﻴﺔ إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻓﻘﻂ ﻧﻈﺮا ﻹﻣﺘﻼك اﻻﻧﺴﺎن ﻟﻠﻌﻘﻞ.
اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻟﻠﺴﺎﻧﻲ
ﻳﺆﺛﺮ ﻫﺬا اﻟﺘﺼﻮر اﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﻧﺘﺎﺋﺞ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻠﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة، إذ ﻳﺆﻛﺪ ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ دراﺳﺎت اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻷﻟﻤﺎﻧﻲ ﻷﺷﻜﺎل اﻟﺘﻮاﺻﻞ ﻟﺪى اﻟﻨﺤﻞ
:ﺣﺪد ﻓﻴﻬﺎ ﺛﻼث ﺧﺼﺎﺋﺺ ﻟﻠﻐﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ وﻫﻲ –
اﻹرﺗﻜﺎز ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻮت –
ﺗﺤﺮر اﻟﻌﻼﻣﺔ أو اﻟﺮﻣﺰ ﻣﻦ اﻟﻤﻮﺿﻮع اﻟﺨﺎرﺟﻲ –
ﻗﺎﺑﻠﻴﺔ اﻟﻜﻼم اﻟﺒﺸﺮي ﻟﻠﺘﻔﻜﻴﻚ إﻟﻰ وﺣﺪات ﻟﻐﻮﻳﺔ وﺻﻮﺗﻴﺔ داﻟﺔ وأﺧﺮى ﻏﻴﺮ داﻟﺔ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﺄﻟﻴﻒ واﻋﺎدة اﻟﺘﺄﻟﻴﻒ إﻟﻰ ﻣﺎﻻ ﻧﻬﺎﻳﺔ –
وﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﺨﺎﺻﻴﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﺗﺴﺘﺨﻠﺺ ﺧﺎﺻﻴﺔ راﺑﻌﺔ ﻫﻲ اﻟﺘﻤﻔﺼﻞ اﻟﻤﺰدوج، وﻟﺘﻮﺿﻴﺢ ﻫﺬه اﻟﺨﺎﺻﻴﺔ ﻳﻤﻴﺰ ﻧﻮﻋﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻮﺣﺪات
: اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ –
اﻟﺸﻮﻳﻨﻘﺎن: وﻫﻲ وﺣﺪات ﻟﻐﻮﻳﺔ داﻟﺔ ﺗﻘﺒﻞ اﻟﺘﺠﺰﺋﺔ إﻟﻰ وﺣﺪات أﺻﻐﺮ ﻏﻴﺮ داﻟﺔ وﻫﻲ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺎت )ﻛﻮﺛﺮ –
اﻟﻔﻮﻳﻤﺎت: وﻫﻲ وﺣﺪات ﺻﻮﺗﻴﺔ ﻏﻴﺮ داﻟﺔ ﻻﺗﻘﺒﻞ اﻟﺘﺠﺰﺋﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﺤﺮوف وﻳﺘﻤﺜﻞ اﻟﺘﻤﻔﺼﻞ اﻟﻤﺰدوج ﻓﻲ اﻟﻤﺜﺎل اﻟﺘﺎﻟﻲ، ﺳﺘﺬﻫﺐ ﻛﻮﺛﺮ –
اﻟﻤﻔﺼﻞ اﻷول : وﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﻜﻮن ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻮﻧﻴﻤﺎت واﻟﻜﻠﻤﺎت، وﺣﻴﻨﻤﺎ ﻧﻐﻴﺮ ﻣﻮﻗﻊ اﻟﻜﻠﻤﺔ أو ﺣﺬﻓﻬﺎ وﻧﺴﺘﺒﺪﻟﻬﺎ ﺑﺄﺧﺮى ﺑﺘﻐﻴﺮ ﻛﻠﻤﺔ اﻟﻤﻌﻨﻰ –
وﻫﺬا ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﺘﺄﻟﻴﻒ واﻋﺎدة اﻟﺘﺄﻟﻴﻒ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻮﻧﻴﻤﺎت ﻹﻧﺘﺎج دﻻﻻت ﺟﺪﻳﺪة : س + ﻗﺪ + ذﻫﺐ + ﻛﻮﺛﺮ. ﻧﺤﺬف ذﻫﺐ وﻧﺴﺘﺒﺪﻟﻬﺎ بكلمة أتى
اﻟﻤﻨﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ : وﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﻜﻮن ﺑﻴﻦ اﻟﺤﺮوف أو اﻟﻔﻮﻧﺴﻴﺎن ﺣﻴﺚ إذا ﻏﻴﺮﻧﺎ ﻣﻮاﻗﻌﻨﺎ داﺧﻞ اﻟﻜﻠﻤﺔ )اﻟﻤﻮﻧﻴﻤﺔ( أو إذا إﺳﺘﺒﺪﻟﻨﺎﻫﺎ –
ﺑﺄﺧﺮى ﻓﺘﻌﻄﻲ ﻣﻌﻨﻰ ﺟﺪﻳﺪ ﻣﺜﻞ : ﻛﻞ ﻣﻠﻚ – ﻟﻚ
ﺧﻼﺻﺔ
ﻫﻜﺬا ﻳﻜﻮن ﺑﻤﻘﺪور اﻻﻧﺴﺎن أن ﻳﻨﺘﺞ ﻣﺎﻻ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺎرات واﻟﻜﻠﻤﺎت وﻣﻦ ﺗﻢ ﻣﻦ اﻟﺪﻻﻻت واﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﻋﺪد ﻣﺤﺪود ﻣﻦ اﻟﻮﺣﺪات اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ، ﻫﺬا وﻳﻌﺘﺒﺮ أن اﻟﻌﻼﻣﺔ واﻟﺰﻣﻦ ﻧﺘﺎج ﻟﻠﻨﺸﺎط اﻟﻌﻘﻠﻲ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﺣﻴﺚ ﻳﺘﺨﺬﻫﺎ وﺳﺎﺋﻂ رﻣﺰﻳﺔ ﺗﻤﺜﻴﻠﻴﺔ ﺗﺮﺑﻂ ﺑﺸﻜﻞ ﻏﻴﺮ
ﻣﺒﺎﺷﺮ ﺑﻴﻦ اﻟﻔﻜﺮ واﻟﻮاﻗﻊ. وﺗﻤﻜﻦ اﻻﻧﺴﺎن ﻣﻦ اﻟﺘﺤﺮر ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺔ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻤﺎدي ﺑﻮاﺳﻄﺔ ذﻟﻚ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺮﻣﺰي اﻟﺬي ﻳﺘﺸﻜﻞ ﻣﻦ: ﻋﻠﻮم – ﻓﻠﺴﻔﺎت – ﺑﻴﺎﻧﺎت – ﻓﻨﻮن – أﺳﺎﻃﻴﺮ… وﻫﻜﺬا ﻳﻜﻮن اﻻﻧﺴﺎن ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺣﻴﻮان راﻣﺰ ﻻﻳﺪرك اﻟﻮاﻗﻊ وﻻ ﻳﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻊ اﻵﺧﺮﻳﻦ إﻻ ﻣﻦ ﺧﻼل أﻧﺴﺎق رﻣﺰﻳﺔ. وﻛﻠﻤﺎ ﺗﻘﺪم ﻫﺬا اﻟﻨﺴﻖ اﻟﺮﻣﺰي إﻻ وﺗﻮارى اﻟﻮاﻗﻊ إﻟﻰ اﻟﻮراء ﻟﻴﻌﻴﺶ اﻻﻧﺴﺎن وﺟﻬﺎ ﻟﻮﺟﻪ أﻣﺎم اﻟﻔﻜﺮ ﻛﺒﻌﺪ آﺧﺮ ﻣﻦ أﺑﻌﺎد اﻟﻮاﻗﻊ ﺣﻴﺚ ﻳﺠﺪ ﻧﻔﺴﻪ أﻣﺎم ﻧﻈﺎم رﻣﺰي ﻻ ﻳﺤﻴﻞ ﻣﺒﺎﺷﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﺨﺎرﺟﻲ، واﻧﻤﺎ ﻳﺤﻴﻞ ﻋﻠﻰ
ﺗﺼﻮر أو ﻓﻜﺮة. ذﻟﻚ أن اﻷﻓﻜﺎر ﻫﻲ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻟﻸﺷﻴﺎء، أﻣﺎ اﻟﻌﻼﻣﺎت واﻟﺮﻣﻮز اﻟﻠﺴﺎﻧﻴﺔ ﻓﻬﻲ ﻋﻼﻣﺎت ﻟﻸﻓﻜﺎر، ﻓﻜﻴﻒ ﺗﻨﺸﺄ اﻟﺪﻻﻟﺔ
واﻟﻤﻌﻨﻰ ؟ ﻛﻴﻒ ﺗﻨﺸﺄ اﻟﺪﻻﻟﺔ واﻟﺮﻣﺰ اﻟﻠﺴﺎﻧﻴﺎت ؟ وﻣﺎﻋﻼﻗﺘﻬﻤﺎ ﺑﺎﻷﺷﻴﺎء واﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺎت.
hegel ﺗﺤﻠﻴﻞ ﻧﺺ ﻫﻴﻜﻞ
ﻣﻘﺪﻣﺔ
ﻳﻤﺜﻞ اﻟﻨﺺ اﻟﺬي ﺑﻴﻦ أﻳﺪﻳﻨﺎ وﺟﻬﺔ اﻟﻨﻈﺮ اﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ اﻟﺠﺪﻟﻴﺔ ﺣﻮل إﺷﻜﺎﻟﻴﺔ اﻟﻌﻼﻣﺔ واﻟﺮﻣﺰ اﻟﻠﺴﺎﻧﻴﺎت ﻓﻤﺎ ﻫﻲ اﻟﻌﻼﻣﺔ وﻣﺎﻫﻮ اﻟﺮﻣﺰ ؟ وﻣﺎ
ﻫﻮ اﻟﻔﺮق ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ؟ وﻣﺎ ﻫﻲ ﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﺑﺎﻷﺷﻴﺎء واﻟﻔﻜﺮ ؟
ﻋﺮض
ﻳﻌﻄﻲ ﻫﻴﻜﻞ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻨﺺ ﻣﻌﻨﻴﺎن ﻟﻠﻌﻼﻣﺔ، ﻣﻌﻨﻰ ﻋﺎم ﺣﻴﺚ ﻳﻜﻮن ﻟﻠﺮﻣﺰ واﻟﻌﻼﻣﺔ ﻟﻨﻔﺲ اﻟﻤﻌﻨﻰ، وﻣﻌﻨﻰ ﺧﺎص ﺣﻴﺚ ﻳﻜﻮن ﻟﻬﻤﺎ ﻣﻌﻨﻴﺎن
ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺎن. وﻫﻜﺬا ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻫﻴﻜﻞ أن اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺪال واﻟﻤﺪﻟﻮل ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻫﻲ ﻋﻼﻗﺔ إﻋﺘﺒﺎﻃﻴﺔ، ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻟﻤﻮاﺿﻌﺔ واﻻﺗﻔﺎق، ﻓﺎﻟﻌﻼﻗﺔ ﻫﻨﺎ ﻏﺮﻳﺒﺔ وﻋﺮﺿﻴﺔ إذ ﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎك أي ﻗﺎﺳﻢ ﻣﺸﺘﺮك ﺑﻴﻦ اﻟﺪال واﻟﻤﺪﻟﻮل اﻟﻠﻬﻢ ﻣﺎ إﺻﻄﻠﺢ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻨﺎس. ﻟﻜﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﻧﺠﺪ أن اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺪال واﻟﻤﺪﻟﻮل ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮن اﻟﺮﻣﺰ ﻫﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻓﻬﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﻋﻼﻣﺔ إﻋﺘﺒﺎﻃﻴﺔ وﻻ ﻣﺤﺎﻳﺪة، ﺑﻞ إﻧﻬﻤﺎ
ﻳﺸﺘﺮﻛﺎن ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ ﻣﻊ أﻧﻬﻤﺎ ﻳﺨﺘﻠﻔﺎن ﻓﻲ أﺧﺮى، ﻓﺘﻄﺎﺑﻘﻬﻤﺎ ﻟﻴﺲ ﻛﺎﻣﻼ وﻻ ﺗﺎﻣﺎ ﺑﻞ ﻫﻮ ﺗﻄﺎﺑﻖ ﺟﺰءي واﻻ ﻟﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺮﻣﺰ رمزا
وﻗﺪ ﻗﺴﻢ ﻫﻴﻜﻞ ﻧﺼﻪ ﻫﺬا إﻟﻰ ﻗﺴﻤﻴﻦ (ﻓﻘﺮﺗﻴﻦ) ﺗﺒﺘﺪأ اﻟﻔﻘﺮة اﻷوﻟﻰ ﻣﻦ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻨﺺ اﻷﻣﺔ ﻣﺜﻼ، ﺣﺎول ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ أن ﻳﺤﻠﻞ إﺷﻜﺎﻟﻴﺔ
اﻟﻌﻼﻣﺔ، أﻣﺎ اﻟﻔﻘﺮة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﺘﺒﺪأ ﻣﻦ اﻷﻣﺮ ﻣﺨﺘﻠﻒ إﻟﻰ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻨﺺ ﺗﻄﺮق ﻓﻴﻬﺎ إﻟﻰ إﺷﻜﺎﻟﻴﺔ اﻟﺮﻣﺰ
وﻗﺪ داﻓﻊ ﻋﻦ ﻣﻮﻗﻔﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﻼﻣﺔ واﻟﺮﻣﺰ إﻋﺘﻤﺎدا ﻋﻠﻰ أﺳﻠﻮب اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﺣﻴﺚ ﻗﺪم ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻷﻣﺜﻠﺔ اﻟﻤﻠﻤﻮﺳﺔ ﻛﺎﻷﻟﻮان اﻟﺘﻲ ﺗﺪل ﻋﻠﻰ أﻣﺔ ﻣﻦ اﻷﻣﻢ أﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺮﻣﺰ ﻓﻘﺪ ﻗﺪم ﻣﺜﺎل اﻷﺳﺪ واﻟﺜﻌﻠﺐ واﻟﺪاﺋﺮة ﻣﻮﻇﻔﺎ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻹﻃﺎر أﺳﻠﻮب اﻟﻤﻘﺎرﻧﺔ واﻟﺘﻘﺎﺑﻞ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﻼﻣﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ واﻟﺮﻣﺰ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى، ﻣﺴﺘﻌﻤﻼ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺮواﺑﻂ اﻟﻤﻨﻄﻘﻴﺔ ﻣﺜﻞ : ﻏﻴﺮ – ﺑﻴﻦ – إﻧﻤﺎ – ﻫﻜﺬا – ذﻟﻚ… ﻛﻤﺎ إﺳﺘﻌﻤﻞ أﺳﻠﻮب اﻟﻨﻔﻲ ﻻﻳﺘﻼن واﻻﺳﺘﺜﻨﺎء وﻟﻜﻦ ..ﺑﻞ واﻟﺘﺄﻛﻴﺪ إن وﻛﺬﻟﻚ اﻻﺳﺘﻨﺘﺎج وﻫﻜﺬا… وﻫﻜﺬا ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻣﻊ ﻫﻴﻜﻞ إﻟﻰ أن اﻟﻌﻼﻣﺔ إﻋﺘﺒﺎﻃﻴﺔ ﺑﻴﻨﻤﺎ اﻟﺮﻣﺰ علامو طبيعية
ﻟﻜﻦ ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ إﻋﺘﺒﺎر ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻌﻼﻣﺎت ذات ﺑﻌﺪ إﻋﺘﺒﺎﻃﻲ ﻣﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ ؟ أﻻ ﻧﺠﺪ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻼﻣﺎت ﺗﺤﺎﻛﻲ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻣﺜﻞ ﻛﻠﻤﺔ دﻗﻴﻖ – ﺣﺮﻳﺮ
ﻧﺎﻓﺬة…؟
ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ أﻃﺮوﺣﺔ ﻫﻴﻜﻞ ﺣﻮل اﻟﻌﻼﻣﺔ ﻳﻌﺘﺒﺮ أﻓﻼﻃﻮن اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺪال واﻟﻤﺪﻟﻮل ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ وﻟﻴﺴﺖ إﻋﺘﺒﺎﻃﻴﺔ إذ ﻳﺮى أن ﻟﻜﻞ ﺷﻲء ﻋﻼﻣﺔ أو إﺳﻤﺎ ﻣﻨﺴﻮﺑﺎ إﻟﻴﻪ ﺑﺼﻮرة ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ وأن ﻫﺬا اﻹﺳﻢ ﻟﻴﺲ ﻣﺼﺪره اﻻﻧﻔﺎق وﻟﻜﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﻣﻨﺤﺖ ﻟﻸﺳﻤﺎء ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ، وأن ﻛﻞ ﺷﻲء ﻳﺄﺧﺬ إﺳﻤﻪ ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻤﺤﺎﻛﺎة وﺗﻘﻠﻴﺪﻫﺎ، وأن اﻟﻤﺸﺮع اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻣﺤﺎﻛﺎة اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻫﻮ اﻟﻤﺆﻫﻞ ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﻫﻴﻜﻞ
ﻟﺘﺠﺰئ اﻟﺼﻮرة ﻓﻲ اﻟﺤﺮوف واﻟﻤﻘﺎﻃﻊ اﻟﻠﺴﺎﻧﻴﺔ. وﻫﻜﺬا ﻓﺈن اﻟﻜﻠﻤﺎت واﻷﺳﻤﺎء ﺗﺤﺎﻛﻲ أﺻﻮات اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻣﺜﻞ ﺣﺮﻳﺮ اﻟﻤﻴﺎه، ﻟﻔﻴﻒ اﻷﺷﺠﺎر.
ﺧﺎﺗﻤﺔ
ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻨﺺ ﻧﺮى أن ﻫﻨﺎك ﻋﻼﻗﺔ ﺗﻌﺎرﺿﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﻫﻴﻜﻞ وأﻓﻼﻃﻮن ﻓﻲ إﻋﻄﺎء ﻣﻔﻬﻮم اﻟﻌﻼﻣﺔ واﻟﺮﻣﺰ ﻓﻜﻞ ﺣﺴﺐ ﻣﺎﻳﺮاه، ﻓﻬﻴﻜﻞ ﻳﺮى أن
اﻟﻌﻼﻣﺔ ﻻﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻋﻜﺲ أﻓﻼﻃﻮن اﻟﺬي ﻳﺮاﻫﺎ ﻣﺤﺎﻛﺎة ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ.
اﻟﻠﻐﺔ – اﻟﻔﻜﺮ – اﻟﺘﻮاﺻﻞ – اﻟﺴﻠﻄﺔ
ﺗﻤﻬﻴﺪ
ﻣﻦ ﺗﻄﺮق ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺤﻮر إﻟﻰ دراﺳﺔ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻠﻐﺔ واﻟﻔﻜﺮ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ واﻟﺴﻠﻄﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ، ﺛﻢ وﻇﺎﺋﻒ اﻟﻠﻐﺔ، ﻓﺈذا ﻋﻠﻤﻨﺎ أن
ﻟﻜﻞ ﻣﻦ اﻟﻠﻐﺔ واﻟﻔﻜﺮ ﻃﺒﻴﻌﺘﺎن ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺘﺎن ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ؟ ﺑﻤﻌﻨﻰ آﺧﺮ ﻣﺎﻫﻲ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻠﻐﺔ واﻟﻔﻜﺮ ؟
ﻫﻞ ﻫﻤﺎ ﻣﻨﻔﺼﻼن أم ﻣﺘﺼﻼن ؟ ﻫﻞ اﻟﻔﻜﺮ ﺳﺎﺑﻖ ﻋﻦ اﻟﻠﻐﺔ أم ﻣﺴﺘﻘﻞ ﻋﻨﻬﺎ .؟ أم أﻧﻬﺎ أﺳﺎﺳﺎ اﻟﻔﻜﺮ وﻣﻨﺘﺠﺔ ؟
اﻷﻃﺮوﺣﺔ اﻟﻤﻴﺘﺎوﻳﺰﻳﻔﻴﺔ
ﺗﻘﻮل ﺑﺄﺳﺒﻘﻴﺔ اﻟﻔﻜﺮ ﻋﻦ اﻟﻠﻐﺔ واﺳﺘﻘﻼﻟﻪ ﻋﻨﻬﺎ وﻳﺘﺒﻨﺎﻫﺎ ﻛﻞ ﻣﻦ أﻓﻼﻃﻮن – دﻳﻜﺎرت – ﺑﺮﺟﺴﻮن.
ﻣﻮﻗﻒ أﻓﻼﻃﻮن
إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺣﺴﺐ أﻓﻼﻃﻮن ﺗﺬﻛﺮ واﻟﺠﻬﻞ ﻧﺴﻴﺎن، ﻓﺈن اﻷﻓﻜﺎر ﺗﻜﻮن ﻣﻮﺟﻮدة ﻓﻲ أﻋﻤﺎق اﻟﻨﻔﺲ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻓﻘﻂ ﺗﺬﻛﺮﻫﺎ ﺑﻮاﺳﻄﺔ
اﻟﺘﺄﻣﻞ اﻟﻌﻘﻠﻲ، وﻋﻠﻴﻪ ﻓﺎﻟﻠﻐﺔ ﺣﺴﺐ أﻓﻼﻃﻮن ﻻﺗﺼﻨﻊ اﻟﻔﻜﺮ ﻷﻧﻪ ﺳﺎﺑﻖ ﻓﻲ وﺟﻮده ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻪ ﻫﻮ ﺗﺬﻛﺮ ﻣﻦ أﺟﻞ ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ،
ﻓﺎﻟﻔﻜﺮ ﻫﻨﺎ ﺻﻮرة ﺗﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻤﺜﻞ أﻣﺎ اﻟﻠﻐﺔ ﻓﻬﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺤﻼل واﻷوﻫﺎم.
ﻣﻮﻗﻒ دﻳﻜﺎرت
إﻧﻄﻼﻗﺎ ﻣﻦ “أﻧﺎ أﻓﻜﺮ إذا أﻧﺎ ﻣﻮﺟﻮد” ﻳﻌﺘﺒﺮ دﻳﻜﺎرت اﻟﻔﻜﺮ ﺟﻮﻫﺮ روﺣﻲ ﻣﺴﺘﻘﻞ ﺧﺎﺻﻴﺘﻪ اﻟﻮﺣﻴﺪة ﻫﻲ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ أﻣﺎ اﻟﻠﻐﺔ ﺑﺈﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ أﺻﻮات ﻓﻬﻲ ﺟﻮﻫﺮ ﻣﻤﺘﺪ، وﻣﻦ ﺗﻢ ﻓﺎﻟﻠﻐﺔ واﻟﻔﻜﺮ ﺣﺴﺐ دﻳﻜﺎرت ﻣﻦ ﻃﺒﻴﻌﺘﻴﻦ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﻴﻦ ﻫﻮ روﺣﻲ وﻫﻲ ﻣﺎدﻳﺔ وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﺎﻟﻔﻜﺮ ﻣﺴﺘﻘﻞ ﻋﻦ
اﻟﻠﻐﺔ و ﻣﻨﻔﺼﻞ ﻋﻨﻬﺎ
ﻣﻮﻗﻒ ﻫﻨﺮي ﺑﺮﺟﺴﻮن
ﻳﺮى ﺑﺮﺟﺴﻮن أن ﻟﻐﺔ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻢ اﻟﺘﻘﺴﻴﻢ واﻟﺘﺠﺰئ واﻟﻘﻴﺎس واﻟﺘﻜﻤﻴﻦ ﺗﺒﻘﻰ ﻋﺎﺟﺰة ﻋﻦ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ اﻟﻔﻜﺮ وادراك اﻷﻳﻤﻮﻣﺔ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻻﻧﻔﺮدﻫﺎ إﻻ ﺑﺎﻟﺤﺪس، ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺮوﺣﻴﺔ واﻻﺷﺮاﻗﺎت اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﺣﻴﺚ ﺗﺒﺪو ﻫﺬه اﻟﺘﺠﺎرب أﻏﻨﻰ وأوﺳﻊ ﻣﻦ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺎدﻳﺔ اﻟﺘﻲ رﻏﻢ أﻧﻬﺎ ﻣﻜﻨﺖ اﻻﻧﺴﺎن ﻣﻦ اﻟﺴﻴﻄﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ وﺗﺤﺮﻳﺮه ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺔ اﻷﺷﻴﺎء ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻓﻲ ﻧﻄﺎق اﻟﺘﺠﺎرب السطحية في حالات الوعي والشعور
اﻷﻃﺮوﺣﺔ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ اﻟﻠﺴﺎﻧﻴﺔ
ﻋﻠﻰ ﻋﻜﺲ اﻟﺘﺼﻮر اﻟﺘﻘﺮﻳﺒﻲ ﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻠﻐﺔ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻫﺬا اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف أن اﻟﻔﻜﺮ ﺑﺪون ﻟﻐﺔ ﻟﻴﺲ ﺳﻮف ﻛﺘﻠﺔ ﻋﺪﻳﻤﺔ اﻟﺸﻜﻞ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻤﻴﺰة ﻻ ﻓﻮاﺣﻞ ﻓﻴﻬﺎ وﻻ وﺣﺪات، إﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﺳﻮى ﻏﻤﺎء وﺷﺪﻳﺪ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﺷﻲء ﻣﺤﺪد، وﻫﻮ ﻣﻀﻄﺮ ﻟﻜﻲ ﻳﺰول ﻋﻦ ﻋﻤﺎﺋﻪ إﻟﻰ اﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﻣﻦ
أﺟﻞ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑﻴﻦ ﻓﻜﺮﺗﻴﻦ وﻣﻌﻨﻴﻴﻦ ﺑﺼﻮرة واﺿﺤﺔ، ﻓﺎﻟﻠﻐﺔ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻊ ﺗﻘﺴﻴﻤﺎت وﺗﻔﺼﻞ ﺑﻴﻦ اﻟﻮﺣﺪات ﻟﻜﻲ ﺗﺘﻀﺢ اﻷﻓﻜﺎر وﺗﺘﻤﺎﻳﺰ، وﻫﻜﺬا ﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎك ﻓﻜﺮ ﺳﺎﺑﻖ ﻋﻦ اﻟﻠﻐﺔ وﻣﻨﻔﺼﻞ ﻋﻨﻬﺎ. وﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺒﺮﻫﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻷﻃﺮوﺣﺔ ﻗﺪم ﻫﺬا اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻷﻣﺜﻠﺔ وﻗﺪ ﺷﺒﻬﻬﺎ ﺑﻨﺴﻤﺔ رﻳﺢ ﻫﺒﺖ ﻋﻠﻰ ﺻﻬﺮﻳﺞ ﻣﺎء ﻓﺎدت إﻟﻰ ﺟﻌﻞ ﺳﻄﺢ اﻟﻤﺎء ﻳﻨﻘﺴﻢ إﻟﻰ ﺗﻘﺴﻴﻤﺎت وﺗﻤﻮﺟﺎت، ﻓﻬﺬه اﻟﺘﻤﻮﺟﺎت ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻄﻴﻨﺎ ﻓﻜﺮة ﻋﻦ ﻋﻼﻗﺔ اﻟﻠﻐﺔ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ، ﻛﻤﺎ ﻗﺪم ﻣﺜﺎﻻ آﺧﺮ ﺷﺒﻪ ﻓﻴﻪ ﻋﻼﻗﺔ اﻟﻠﻐﺔ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ ﺑﻮﺟﻬﻲ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ، ﻓﺎﻟﻮﺟﻪ ﻫﻮ اﻟﻔﻜﺮ واﻟﻤﻈﻬﺮ ﻫﻮ اﻟﻠﻐﺔ، وﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﺤﺪث ﻗﻄﻌﺎ ﻓﻲ وﺟﻪ اﻟﻮرﻗﺔ دون أن ﻧﻘﻄﻊ ﻇﻬﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ. وﻫﻜﺬا ﻻﻳﻤﻜﻦ ﺗﺼﻮر ﻓﻜﺮ ﺑﻤﺠﺰل ﻋﻦ اﻟﻠﻐﺔ
ﺑﻞ ﻫﻤﺎ ﻣﺘﺪاﺧﻼت ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻣﺤﺘﻮى اﻵﺧﺮ.
ﺗﺤﻠﻴﻞ ﻧﺺ : اﻟﻔﻜﺮ واﻟﻜﻼم
ﻣﻘﺪﻣﺔ
ﻧﻌﺘﺒﺮ اﻟﻨﺺ اﻟﺬي ﺑﻴﻦ أﻳﺪﻳﻨﺎ أﺣﺪ اﻟﻨﻤﺎذج اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ، اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺎول اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ إﺷﻜﺎﻟﻴﺔ اﻟﻠﻐﺔ واﻟﻔﻜﺮ وﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻤﻌﻬﻤﺎ، ﻣﻦ
:اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﻔﻴﻨﻮﻣﻮﻧﻮﻟﻮﺟﻴﺔ، وﺑﻨﺎء ﻋﻠﻴﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﻃﺮح اﻹﺷﻜﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ
ﻣﺎﻫﻲ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻜﻼم واﻟﻔﻜﺮ ؟ –
ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن اﻟﻜﻼم ﻣﺠﺮد ﻋﻼﻣﺔ ﻟﻠﻔﻜﺮ ؟ –
ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﻘﺒﻞ أن ﺗﻜﻮن ﻋﻼﻗﺔ اﻟﻜﻼم ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ ﻋﻼﻗﺔ إﻧﻔﺼﺎل ؟ –
أﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ ذﻟﻚ أن ﻳﻜﻮن اﻟﻜﻼم ﻫﻮ ﺟﺴﺪ اﻟﻔﻜﺮ وﺣﻀﻮره ؟ –
اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ
ﻳﺆﻛﺪ ﻣﻴﺮﻟﻮﺑﻮﻧﻴﻦ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻨﺺ أن ﻋﻼﻗﺔ اﻟﻠﻐﺔ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن إﻻ ﻋﻼﻗﺔ إﺗﺼﺎل واﺣﺘﻮاء ﻣﺘﺒﺎدل ﻷﻧﻬﻤﺎ ﻳﺘﻜﻮﻧﺎن ﻓﻲ آن واﺣﺪ، وﻫﻜﺬا ﻓﻬﻮ ﻳﺮﻓﺾ اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻲ ﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻠﻐﺔ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ، واﻟﺬي ﻳﺠﻌﻞ اﻟﻜﻼم ﻣﺠﺮد ﻋﻼﻣﺔ ﻣﻨﻔﺼﻠﺔ ﻋﻦ ﻣﺎ ﺗﺪل ﻋﻠﻴﻪ. ﺑﻤﻌﻨﻰ آﺧﺮ ﻳﻨﻔﻲ ﻣﻴﺮﻟﻮﺑﻮﻧﺘﻲ أن ﻳﻜﻮن اﻟﻜﻼم ﻣﺠﺮد ﻟﺒﺎس أو ﻏﻼف ﻟﻠﻔﻜﺮ ﻷن اﻟﻜﻼم ﻫﻮ ﺟﺴﺪ اﻟﻔﻜﺮ وﺷﻌﺎره، ﻓﻤﺎ ﻳﺠﻌﻞ اﻟﻔﻜﺮ ﻳﺤﺼﺮ إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺨﺎرﺟﻲ ﻫﺬا اﻟﻜﻼم إذ ﻻ وﺟﻮد ﻟﻔﻜﺮ ﺧﺎرج اﻟﻜﻠﻤﺎت واﻟﻌﻼﻣﺎت. وﺣﺘﻰ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ اﻟﺼﺎﻣﺖ اﻟﺬي ﻗﺪ ﻳﻮﺣﻲ ﺑﺎﻧﻔﺼﺎل اﻟﻠﻐﺔ ﻋﻦ اﻟﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﻧﻈﺮه ﻛﻼم ﻣﻬﻤﻮس وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﺎﻟﻔﻜﺮ ﻟﻴﺲ داﺧﻠﻴﺎ واﻟﻜﻼم ﻟﻴﺲ ﺷﻴﺌﺎ ﺧﺎرﺟﻴﺎ ﺑﻞ إﻧﻬﻤﺎ ﻣﻈﻬﺮان ﻟﻮﺣﺪة اﻟﻠﻐﺔ ﻣﻊ اﻟﻔﻜﺮ
وﻗﺪ إﺗﺨﺬ اﻟﻨﺺ أﺳﻠﻮﺑﺎ ﺣﺠﺎﺟﻴﺎ ﺳﺠﺎﻟﻴﺎ ﺑﻴﻦ ﻣﻮﻗﻔﻴﻦ ﻣﺘﻌﺎرﺿﻴﻦ اﻷول ﻳﻤﺜﻞ اﻟﺘﻴﺎر اﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻲ وﻫﻮ اﻟﺬي اﺳﺘﻬﻞ ﺑﻪ ﻧﺼﻪ ﺛﻢ ﻳﺘﻠﻮه ﻣﺒﺎﺷﺮة ﺑﻤﻮﻗﻔﻪ اﻟﺨﺎص ﻣﺴﺘﻌﻤﻼ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻵﻟﻴﺎت اﻟﺤﺠﺎﺟﻴﺔ، ﺗﻌﺘﻤﺪ ﺑﺎﻟﺨﺼﻮص ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻔﻲ )أﻟﻴﺲ – ﻓﻼ – ﻻ ﻳﺤﺘﻞ( أو
…اﻻﺳﺘﺜﻨﺎء إﻻ ﻓﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﻨﻔﻲ اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻲ. ﺛﻢ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ آﻟﻴﺔ اﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻟﻠﺪﻓﺎع ﻋﻦ ﻣﻮﻗﻔﻪ اﻟﺨﺎص )إن – ﻻﺑﺪء ﺑﻞ – ﺧﻴﺮان
ﻛﻤﺎ إﺳﺘﻌﻤﻞ اﻟﻤﻨﻄﻖ اﻟﺸﺮﻃﻲ دون أن ﻳﻨﺴﻰ ﺗﻮﻇﻴﻒ ﺗﻘﻨﻴﺔ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺼﻤﺖ ﺻﺤﻴﺢ اﻟﻜﻼم اﻻﺳﺘﺒﻄﺎن ﻟﻤﻼﺣﻈﺔ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ اﻟﺼﺎﻣﺖ اﻟﺬي ﻳﺒﺪو أﻧﻪ ﺗﻔﻜﻴﺮ ﻻ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﻛﻼم وﻟﻮ أن ﻫﺬا اﻟﻜﻼم ﻏﻴﺮ ﻣﺴﻤﻮع. وﻓﻲ ﻫﺬا اﻹﻃﺎر ﻳﻤﻜﻦ إﺳﺘﺤﻀﺎر ﺗﺼﻮر اﻟﻠﺴﺎﻧﻴﺎت اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ﻣﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ راﺋﺪﻫﺎ دي ﺳﻮﺳﻲ اﻟﺬي ﻳﺸﺒﻪ ﻋﻼﻗﺔ اﻟﻠﻐﺔ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ ﺑﻮﺟﻬﻲ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ… أو ﻳﺸﺒﻪ ﻋﻼﻗﺔ اﻟﻠﻐﺔ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ ﺑﻌﻼﻗﺔ اﻟﺮﻳﺎح ﺑﺴﻄﺢ اﻟﻤﺎء
ﻫﺬه اﻷﻣﺜﻠﺔ ﺗﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ إﺗﺤﺎد اﻟﻠﻐﺔ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ ﺑﺤﻴﺚ ﻻﻳﻤﻜﻦ ﺗﺼﻮر ﻓﻜﺮ ﺑﺪون ﻟﻐﺔ. ﻟﻜﻦ أﻻ ﻧﺠﺪ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن أن اﻟﻠﻐﺔ ﻋﺎﺟﺰة ﻋﻦ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ
ﻋﻦ اﻟﻔﻜﺮ ؟ أﻟﻴﺴﺖ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺔ ﻟﻜﻞ ﻣﻦ اﻟﻜﻼم واﻟﻔﻜﺮ ﺳﺒﺒﺎ ﻓﻲ إﻧﻔﺼﺎﻟﻬﻤﺎ ؟ .
اﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺔ
ﻧﺠﻴﺐ ﻋﻦ اﻟﺴﺆال اﻷول : ﻳﺆﻛﺪ ﺑﺮﺟﺴﻮنﻟﻠﺮﺟﻮع إﻟﻰ اﻟﺪرس ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺬﻫﺐ دﻳﻜﺎرت ﻓﻲ ﻧﻔﺲ إﺗﺠﺎه ﺑﺮﺟﺴﻮن ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ ﺗﻨﺎﻗﺾ ﺧﺼﺎﺋﺺ ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﻠﻐﺔ واﻟﻔﻜﺮ
اﻟﻠﻐﺔ واﻟﺘﻮاﺻﻞ
ﺗﻤﻬﻴﺪ
إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻠﻐﺔ أداة ﻟﻠﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ اﻟﻔﻜﺮ ﻓﻬﻲ أﻳﻀﺎ ﻋﻨﺼﺮ ﻟﻠﺘﻮاﺻﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ، ﻓﻼ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺑﺪون ﻟﻐﺔ، ﻛﻤﺎ أﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎك ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺑﺪون ﺗﻮاﺻﻞ، ﻓﻜﻴﻒ ﻳﺘﺤﻘﻖ ﻫﺬا اﻟﺘﻮاﺻﻞ ؟ ﻫﻞ ﻓﻲ إﻃﺎر ﻣﻦ اﻟﻮﺿﻮح واﻟﺸﻔﺎﻓﻴﺔ ؟ أم أن ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻮاﺻﻞ ﻫﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻏﻴﺮ ﺑﺮﻳﺌﺔ ﻳﺸﻮﺑﻬﺎ اﻟﻜﺬب واﻻﺧﻔﺎء ؟
أﻃﺮوﺣﺔ روﻣﺎن ﺟﺎﻛﻮﺑﺴﻮن
ﺗﻌﺘﺒﺮ اﻟﻠﻐﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ اﻟﺘﻮاﺻﻠﻴﺔ ﻟﺠﺎﻛﻮﺑﺴﻮن أداة ﺗﺒﻠﻴﻎ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ واﻷﻓﻜﺎر واﻟﻤﺸﺎﻋﺮ واﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت ﻓﻲ إﻃﺎر ﻣﻦ اﻟﻮﺿﻮح واﻟﺸﻔﺎﻓﻴﺔ
:ﺑﺸﺮط ﺗﻮﻓﺮ اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ
اﻟﺴﻴﺎق اﻟﻤﺮﺳﻞ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ-
اﻟﻤﺮﺳﻞ إﻟﻴﻪ-
ﻟﻜﻦ ﻫﺬه اﻟﻮﻇﻴﻔﺔ اﻟﺘﻮاﺻﻠﻴﺔ ﻟﻠﻐﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﻧﻘﻞ ﺧﺒﺮ أو ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت وأن ﻫﺬه اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت ﻫﻲ ﺑﺎﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﺗﻈﻬﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﺻﺮﻳﺢ ﻣﻜﺸﻮف أﻣﺎم اﻟﻤﺘﻠﻘﻲ ﻗﺪ أﺿﺤﺖ ﻣﻮﺿﻊ ﺗﺴﺎؤل ﻣﻦ ﻃﺮف اﻟﻠﺴﺎﻧﻴﻴﻦ أﻧﻔﺴﻬﻢ، ﻓﻬﻞ ﺗﻜﻮن اﻟﻠﻐﺔ أداة ﺷﻔﺎﻓﺔ وﺑﺮﻳﺌﺔ ﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﻧﻘﻞ اﻷﺧﺒﺎر ﺑﻬﺬا اﻟﻮﺿﻮح واﻟﺸﻔﺎﻓﻴﺔ ؟ أﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﻘﻮل اﻟﻌﻜﺲ، أن اﻟﻠﻐﺔ أداة إﺧﻔﺎء وﻛﺘﻤﺎن وﻛﺬب ؟
أﻃﺮوﺣﺔ دﻳﻜﺮو
ﻳﺮى دﻳﻜﺮو أن اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑﻴﻦ اﻟﺬوات ﻻﺗﺮﺗﺪ إﻟﻰ اﻟﺘﻮاﺻﻞ ﺑﻤﻌﻨﺎه اﻟﻀﻴﻖ، واﻧﻤﺎ ﺗﻨﺪرج ﺗﺤﺖ ﻃﺎﺋﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻻ ﻳﺼﺒﺢ ﻓﻴﻬﺎ
اﻟﻠﺴﺎن أداة ﺗﻮاﺻﻞ ﻓﻘﻂ، واﻧﻤﺎ إﻃﺎر ﻣﺆﺳﺴﺎ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻴﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻼﻗﺎت، ﻻﻳﺼﺒﺢ اﻟﻠﺴﺎن ﺷﺮﻃﺎ ﻟﻠﺤﻴﺎة اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻘﻂ واﻧﻤﺎ ﺑﻤﻄﺎﻟﻬﺎ، ﻳﺤﻘﺪ ﻣﻌﻬﺎ ﺑﺮاءﺗﻪ، وﺷﻔﺎﻓﻴﺘﻪ، ﻫﺬا ﻣﺎ ﺗﺆﻛﺪه اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ، ذﻟﻚ أن اﻟﻠﻐﺔ ﻟﻴﺴﺖ وﺳﻴﻄﺎ ﻧﺰﻳﻬﺎ وﺷﻔﺎﻓﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﺪوان اﻟﻤﺘﺨﺎﻃﺒﺔ ﺑﻞ ﻛﺜﻴﺮا
ﻣﺎ ﺗﻨﻘﻠﺐ إﻟﻰ آﻟﻴﺔ ﻟﻺﺧﻔﺎء واﻟﻜﺘﻤﺎن، أو اﻟﺘﻈﺎﻫﺮ ﺑﺎﻹﺧﻔﺎء ﺑﻮاﺳﻄﺔ آﻟﻴﺔ اﻻﺧﺼﺎر، ﺗﺘﺤﻮل ﻣﻌﻬﺎ اﻟﻠﻐﺔ إﻟﻰ ﻗﻮاﻋﺪ ﻟﻌﺐ ﻳﻮﻣﻲ ﻻ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﺴﻄﺤﻲ ﻟﻠﻜﻠﻤﺔ واﻧﻤﺎ ﻛﺎﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ ﺗﻌﺘﻤﺪ اﻟﺤﺴﺎب واﻟﺘﻘﺪﻳﺮ اﻟﻤﺴﺒﻘﻴﻦ ﻟﻠﻨﺘﺎﺋﺞ، ﻻﻳﺘﺤﻤﻞ ﻣﻌﻬﺎ اﻟﻤﺘﻜﻠﻢ ﻣﺴﺆوﻟﻴﺔ اﻟﻨﻄﺎق ﺑﻬﺎ. ﺗﻌﻮد ﺿﺮورة اﻻﺧﻤﺎر ﻫﺬه ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ إﻟﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺮﻣﺎت اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ واﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻟﻰ ﻋﻮاﻣﻞ ﻧﻔﺴﻴﺔ ﻻﺷﻌﻮرﻳﺔ أو ﺷﻌﻮرﻳﺔ، وﻻﺗﻘﻒ ﻫﺬه اﻹﻛﺮاﻫﺎت ﻋﻨﺪ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ ﺑﻞ ﻫﻨﺎك إﻛﺮاﻫﺎت واﻟﺰاﻣﺎت أﺧﺮى ﺗﻔﺮض ﺳﻠﻄﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺘﻜﻠﻢ ﺗﺴﻤﻰ ﺑﺎﻹﻛﺮاﻫﺎت اﻟﻠﺴﺎﻧﻴﺔ، ﻓﻤﺎ ﻫﻲ ﻫﺬه اﻻﻛﺮاﻫﺎت ؟ وﻛﻴﻒ ﺗﻔﺮض اﻟﻠﻐﺔ
ﺗﺴﻴﻄﺮﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺘﻜﻠﻢ ؟
اﻟﻠﻐﺔ واﻟﺴﻠﻄﺔ
أﻃﺮوﺣﺎت روﻻن ﺑﺎرت
ﻳﺮى روﻻن ﺑﺎرت أن ﻛﻞ إﻧﺴﺎن ﻫﻮ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺗﺼﻨﻴﻒ ﻗﻤﺘﻲ ﻳﺘﺤﺪد ﺑﺎﻻﻟﺰام واﻻﻛﺮاه واﻻرﻏﺎم أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﺘﺤﺪد ﺑﺎﻟﻤﺴﺘﺤﺴﻦ واﻟﻤﺒﺎح، وﻫﻜﺬا ﻓﺎﻟﻤﺘﻜﻠﻢ ﻣﻠﺰم ﺑﺎﺣﺘﺮام ﻗﻮاﻋﺪ ﻣﻌﻴﻨﺔ، ﻣﻠﺰم ﺑﺎﺳﺘﻌﻤﺎل إﻣﺎ اﻟﻤﺬﻛﺮ أو اﻟﻤﺆﻧﺚ، ﻣﻠﺰم ﺑﺘﻤﻴﻴﺰ ذاﺗﻪ ﻋﻦ اﻟﻐﻴﺮ ﺑﺎﺳﺘﻌﻤﺎل ﺿﻤﻴﺮ
اﻟﻤﺨﺎﻃﺐ أﻧﺖ أو أﻧﺘﻢ، وﻫﻜﺬا ﻓﺎﻟﻔﺮد ﻻﻳﺘﻜﻠﻢ ﺣﺴﺐ إرادﺗﻪ وﻟﻜﻦ ﺳﺒﻘﺎ ﻟﻤﺎ ﺗﺮﻳﺪه وﺗﺤﺪده اﻟﻘﻮاﻧﻴﻦ اﻟﻠﺴﺎﻧﻴﺔ، ﻟﺬﻟﻚ ﺗﺘﺠﺎوز اﻟﻠﻐﺔ ﻓﻲ ﻧﻈﺮ روﻻن ﺑﺎرت وﻇﻴﻔﺔ اﻟﺘﺒﻠﻴﻎ واﻟﺘﻮاﺻﻞ ﻟﺘﺼﺒﺢ أداة ﻟﻠﺴﻠﻄﺔ واﻻﻳﻀﺎح واﻻرﻏﺎم، وﻋﻠﻴﻪ ﻳﻌﺘﻘﺪ روﻻن ﺑﺎرت أﻧﻪ ﻣﺎ أن ﻳﻨﻄﻖ اﻻﻧﺴﺎن ﺣﺘﻰ
ﻳﻨﺨﺮط ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺳﻠﻄﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ، اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺒﺮ اﻷﻓﺮاد ﻋﻠﻰ إﻧﺘﺎج ﺧﻄﺎﺑﺎت ﺗﺒﻌﺎ ﻟﻘﻮاﻋﺪ ﻣﺤﺪدة ﺳﻠﻔﺎ.
وﻫﻜﺬا ﻳﻤﻴﺰ روﻻن ﺑﺎرت ﺑﻴﻦ ﻧﻤﻄﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻄﺔ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ، ﺗﺠﻌﻞ اﻟﻤﺘﻜﻠﻢ ﺳﻴﺪا وﻋﺒﺪا ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ، ﺳﻴﺪ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﻄﺎﺑﻊ اﻻﻟﻜﺎﺗﻲ اﻟﺘﻮﻛﻴﻠﻲ ﻟﻠﻐﺔ اﻟﺬي ﺗﺠﻌﻠﻪ ﻳﻨﺼﺖ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ. وﻋﺒﺪا ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﻄﺎﺑﻊ اﻟﻘﻄﻴﻌﻲ ﻟﻠﺘﻜﺮار. ﻫﻜﺬا ﻧﺨﻠﺺ ﻣﻊ روﻻن ﺑﺎرت أن ﻻ ﺣﺮﻳﺔ إﻻ ﺧﺎرج اﻟﻠﻐﺔ، وﺑﻤﺎ أن اﻟﻠﻐﺔ ﻻ ﺧﺎرج ﻟﻬﺎ ﻓﻼ ﻣﺤﻴﻞ ﻟﻨﺎ ﻋﻨﻬﺎ إﻻ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻤﺴﺘﺤﻴﻞ
:المزيد من الدروس